احتفال شعبي في الأحياء ورسمي في الشانزليزيه بذكراها
ها هي فرنسا شعبا وحكومة وجيشا، تحتفل اليوم رسميا بذكرى مرور 230 عاما على ثورة 14 يوليو الفرنسية التي غيرت مجرى التاريخ الفرنسي والعالمي معا. إلا أن الشعب الفرنسي بدأ احتفاله بهذه الذكرى عشية 14 يوليو، فأمتلأت، مدن فرنسا وقراها، أحياء باريس، ساحاتها ومقاهيها ومنتزهاتها، بالناس من كل لون وعرق للرقص والغناء على آلة الأكورديون وبقية الآلات، وشرب النبيذ ومشاهدة الأسهم النارية المتعددة الألوان التي زينت السماء فألقت مسحة رومانسية على العيد، فيما المدافع كانت تطلق. ومنذ صباح 14 يوليو بدأ الاحتفال على الصعيد الرسمي الحكومي، فأمتلأ شارع الشانزيليزيه بالجماهير الفرنسية والسواح لمشاهدة العروض العسكرية، خصوصا العروض الجوية للطائرات الفرنسية، التي استعرضها رئيس الجمهورية نيكولا سركوزي على المنصة وهو بين ضيوف الشرف والسفراء الأجانب والوزراء، والهند هي ضيف الشرف هذا العام، حيث جاءت فرقة عسكرية هندية لتؤدي استعراضا عسكريا تدربت شهرا عليه من أجل هذه الغاية.
إنها احتفالات مهيبة تستحقها هذه الذكرى، لتثير البهجة والاعتزاز الوطني عند الفرنسيين رغم قسوة الأزمة المالية، والمشاكل الداخلية والدولية.
إنها ثورة كبرى تستحق التمجيد، لا فرنسيا وحسب، بل وعالميا أيضا، لما تركته من النتائج والآثار المهمة في كل مكان، فكريا، وسياسيا،غير أن هذه البهجة والفرح والرقص الليلي، لا يمكنها ان تخفي الجانب الدموي للثورة الفرنسية حيث أطلقت نزعات العنف وغرائز الانتقام لأقصى حد ممكن، وفي فترة ما من الفترات تُرِكت باريس لوحدها لينشر عامّتها الفوضى والعنف في أرجائها، وقد أعدم ما لا يقل عن 11 ألفا بتهمة العداء الثورة، وبينهم الكثيرون من زعمائها، كدانتون وروبسبير. أما الزعيم الثوري مارا، فقد اغتالته امرأة اسمها شارلوت، وهو يستحم في بيته. من هنا يصح تسمية الثورة الفرنسية بالثورة التي أكلت أبناءها، والواقع أنها قدمت المثال الدموي للثورات اللاحقة، التي راحت هي الأخرى تأكل أبناءها جملة أو فرادى، وإن نزعة العنف، التي أطلقتها الثورة الفرنسية، لا تزال مخلفاتها النفسية والسياسية تلمس في
الحياة السياسية الفرنسية، بشكل أو آخر، ولكن بلا سلاح! نعني خاصة أساليب العنف في الإضرابات النقابية، والطلابية، والمعارضة المتشنجة دوما والتي لا تؤمن بالحوار، بل وأكثر من ذلك، الأساليب الجديدة الرائجة الآن في تخريب خطوط القطارات، والتهديد بتفجير المصانع المغلقة بسبب الإفلاس.
أطلقت الثورة سلسلة من الحروب والحروب الداخلية التي زعزعت استقرار البلاد حتى استيلاء نابليون الأول على السلطة، فاستطاع الجمع بين الولاء لأهداف الثورة، وضمان الأمن والاستقرار، وكان يؤمن باقتران الأمن والعدالة والحرية معا. ثم راح يحتل البلدان الأوروبية، ويهز العروش والقوى المحافظة.
كيف حدثت هذه الثورة ولماذا؟
إن الآراء والتحليلات متعددة عن أسباب الثورة الفرنسية. ولكن يمكن القول إنها كانت مزيج أسباب متشابكة، وإن قوى الثورة لم تكن متجانسة، ولم تكن لها قيادة موحدة، بل يمكن القول إن الثورة انطلقت في بدايتها تلقائيا، أو شبه تلقائي.
كانت الظروف الثورية ناضجة بسبب السخط المتراكم على هيمنة الكنيسة على الفكر والمجتمع، وعلى مسالك في السلطة، وكذلك السخط على أرستقراطية الأرض، التي كانت تسحق الفلاحين، وتتحدى كل إجراء ملكي يراد اتخاذه لفرض الضرائب عليها لمعالجة الوضع الاقتصادي المتدهور. وفي المدن، كان تململ صغار البورجوازية والعمال المتطلعين لرفع مستواهم المعيشي؛ وأما طبقة البورجوازية الوسطى المستجدة، فكانت تتطلع ليكون لها دور أساسي في مقاليد البلاد، ولذا كانت تدعو إلى الإصلاحات الحكومية الجذرية.
لقد مهد للثورة ظهور فلاسفة ومفكرين كبار، كفولتير وروسو وديدرو ومونتسيكيو، الداعي لفصل السلطات، وكانت آراء هؤلاء العظام، الإصلاحية والتنويرية، والداعية خاصة لحرية الرأي واحترام الرأي الآخر، والمنتقدة لهيمنة الكنيسة، قد استفادت من فكر عدد من كبار المثقفين والفلاسفة الإنكليز، كداعية التسامح لوك، والشاعر ميلتون، بطل حرية النشر والتعبير، وتوماس هوك، وغيرهم. كما أن ثورتي كرومويل الإنكليزية، [ 1645]، وثورة الاستقلال الأميركية بقيادة جورج واشنطن، [1776 – 1783 ]، قد أثرتا في تفكير المثقفين الفرنسيين وساسة البورجوازية، خصوصا وأن فرنسيين اشتركوا في حرب الاستقلال الأميركية بقيادة لافاييت. أما ثورة كرومويل، التي أسقطت الملك وأعلنت الجمهورية، فإنها هي الأخرى ألهمت الفرنسيين، سواء بنزعة كرومويل للحرية والبرلمانية، أو الدعوة للجمهورية، التي لم تقم في العام الأول من الثورة الفرنسية، إذ ظلت الملكية، ولكن مقيدة بالدستور وبالجمعية الوطنية، حتى قطع رأس الملك، وإعلان الجمهورية في فترة 1792- 1793. وقد تعرضت الجمهورية الفرنسية في السنوات والعقود التالية لسلسلة متواصلة من الهزات فيما بعد، وعادت الملكية أكثر من مرة، حتى استقر الحال على تأصل النظام الجمهوري الفرنسي، ولحد اليوم. الفارق مع بريطانيا أن جمهورية كرومويل سقطت نهائيا بسرعة، وعادت الملكية واستقرت، وهي قريبة من الشعب، وهو متمسك بها، ولكنها مقيدة بالدستور، والنظام البرلماني الديمقراطي العريق، وإن أسباب الاختلاف بين التجربتين هي في تباين ظروف المجتمعين وأمزجة الناس وتقاليدهم.
لقد استطاع ساسة البورجوازية الفرنسية فرض قيام الجمعية الوطنية، التي أصدرت في المرحلة الأولى من الثورة، [في 1789 – 1791]، قرارات ومراسيم تلغي امتيازات أرستقراطية الأرض، وصادرت أراضي الكنيسة، ضاربة هيمنة الكنيسة، وفاصلة الدين عن الدولة. وفي الوقت نفسه، صدر الإعلان الشهير عن حقوق الإنسان والمواطن، واتُخِذت الخطوات لتحديث البلاد وسط مقاومة القوى المحافظة وتحركات أجنبية وداخلية معادية أدت إلى سلسلة حروب مع النمسا وبروسيا عام1792.
مرت الثورة بعدة مراحل، كانت الأولى أهمها، وتبعتها مراحل أخرى شهدت قطع رقاب الملك والملكة البريئة ماري أنطوانيت، ومئات آخرين، وإعلان الجمهورية، ثم "حكم الإرهاب"، الذي أقامه اليعاقبة، والذي سرعان ما احتكره روبسبير، الذي راح هو الآخر تحت المقصلة بعد أن أرسل حلفاءه الأقربين لتلك الآلة الجهنمية نفسها. إن "عهد الإرهاب" دام عاما فقط، ولكنه كان عام سفك الدم بغزارة الشلالات، وقد ذهبت الملكة ماري أنطوانيت ضحية سهلة لمن اتهموها بالخيانة، وهي تهمة ثبت بطلانها، ويعود الفرنسيون اليوم للندم على ما حدث لها، وقد استقبل الجمهور بحرارة عام2006 فيلم صوفيا كوبولا عن أنطوانيت، قدمها لنا كامرأة عصرية وطيبة وحنون على أطفالها، ووضعت مجلة "لن بوان" الأسبوعية العنوان التالي على غلافها: "ماري أنطوانيت والندم الفرنسي."
كانت الثورة الفرنسية ثورة بورجوازية من حيث إطلاقها للمبادرات الصناعية والتجارية الخاصة، وقيامها بالتحديث الصناعي والعمراني، ولكنها أيضا أخذت بعدا اجتماعيا، يتمثل في مطالب الفلاحينوالبورجوازية الصغيرة للمدن. والثورة الفرنسية كانت علمانية، ووضعت أسس النظام العلماني الراسخ تدريجيا، وحتى صدور قانون 1905. كما كانت الثورة ليبرالية بمعنى الإيمان بحرية الفرد، واحترام الملكية الخاصة.
واليوم؟ لا يمكن القول إن كل الساسة الفرنسيين يطبقون حقا مبادئ الثورة، وأما اليسار واليمين المتطرف، فيكرهان مجرد كلمة ليبرالية. ويرى البعض إن علمانية فرنسا راح يهددها الأصوليون الإسلاميون، ودعاة نشر البرقع والنقاب على الأرض الفرنسية، وإدخال الحجاب في المدارس العامة، والتحريض على حرية الفكر والنشر، متصرفين في فرنسا، وفي كل دول الغرب كأراضي كفار مستباحة.
يفتخر الفرنسي بالثورة الفرنسية لأنها رسخت المبادئ الثلاثة التي يقوم عليها مجتمع فرنسا العَلماني: المساواة، الإخاء والحرية. ويختصر فكتور هوغو مشاعر الاعتزاز الفرنسي هذه، بالعبارة التالية من روايته الشهيرة "البؤساء": "للعدالة غضبها، سيدي المطران، وغضب العدالة عنصر من عناصر التقدم. كانت الثورة الفرنسية، مهما قيل عنها، أكبر خطوة بشرية إلى الأمام منذ مجيء المسيح. ناقصة، فليكن! لكنها روعة. لقد اظهرت للعيان كل خفايا المجتمع. ولطّفت العقول، ونشرت الهدوء، والتنوير والطمأنينة. وجعلت فيضا من الحضارة يتدفق على الأرض. كانت جيدة. الثورة الفرنسية تتويج البشرية
ها هي فرنسا شعبا وحكومة وجيشا، تحتفل اليوم رسميا بذكرى مرور 230 عاما على ثورة 14 يوليو الفرنسية التي غيرت مجرى التاريخ الفرنسي والعالمي معا. إلا أن الشعب الفرنسي بدأ احتفاله بهذه الذكرى عشية 14 يوليو، فأمتلأت، مدن فرنسا وقراها، أحياء باريس، ساحاتها ومقاهيها ومنتزهاتها، بالناس من كل لون وعرق للرقص والغناء على آلة الأكورديون وبقية الآلات، وشرب النبيذ ومشاهدة الأسهم النارية المتعددة الألوان التي زينت السماء فألقت مسحة رومانسية على العيد، فيما المدافع كانت تطلق. ومنذ صباح 14 يوليو بدأ الاحتفال على الصعيد الرسمي الحكومي، فأمتلأ شارع الشانزيليزيه بالجماهير الفرنسية والسواح لمشاهدة العروض العسكرية، خصوصا العروض الجوية للطائرات الفرنسية، التي استعرضها رئيس الجمهورية نيكولا سركوزي على المنصة وهو بين ضيوف الشرف والسفراء الأجانب والوزراء، والهند هي ضيف الشرف هذا العام، حيث جاءت فرقة عسكرية هندية لتؤدي استعراضا عسكريا تدربت شهرا عليه من أجل هذه الغاية.
إنها احتفالات مهيبة تستحقها هذه الذكرى، لتثير البهجة والاعتزاز الوطني عند الفرنسيين رغم قسوة الأزمة المالية، والمشاكل الداخلية والدولية.
إنها ثورة كبرى تستحق التمجيد، لا فرنسيا وحسب، بل وعالميا أيضا، لما تركته من النتائج والآثار المهمة في كل مكان، فكريا، وسياسيا،غير أن هذه البهجة والفرح والرقص الليلي، لا يمكنها ان تخفي الجانب الدموي للثورة الفرنسية حيث أطلقت نزعات العنف وغرائز الانتقام لأقصى حد ممكن، وفي فترة ما من الفترات تُرِكت باريس لوحدها لينشر عامّتها الفوضى والعنف في أرجائها، وقد أعدم ما لا يقل عن 11 ألفا بتهمة العداء الثورة، وبينهم الكثيرون من زعمائها، كدانتون وروبسبير. أما الزعيم الثوري مارا، فقد اغتالته امرأة اسمها شارلوت، وهو يستحم في بيته. من هنا يصح تسمية الثورة الفرنسية بالثورة التي أكلت أبناءها، والواقع أنها قدمت المثال الدموي للثورات اللاحقة، التي راحت هي الأخرى تأكل أبناءها جملة أو فرادى، وإن نزعة العنف، التي أطلقتها الثورة الفرنسية، لا تزال مخلفاتها النفسية والسياسية تلمس في
نادرة استيقظ لويس السادس عشر صارخا: تمرد؟ أجابه رئيس حاشيته: كلا يا سيدي.. إنها ثورة. فقال لويس السادس عشر: "وأسفاه! كنت أفضل التمرد. إن فيه نقاء يعجبني ويخلب لبّي" |
الحياة السياسية الفرنسية، بشكل أو آخر، ولكن بلا سلاح! نعني خاصة أساليب العنف في الإضرابات النقابية، والطلابية، والمعارضة المتشنجة دوما والتي لا تؤمن بالحوار، بل وأكثر من ذلك، الأساليب الجديدة الرائجة الآن في تخريب خطوط القطارات، والتهديد بتفجير المصانع المغلقة بسبب الإفلاس.
أطلقت الثورة سلسلة من الحروب والحروب الداخلية التي زعزعت استقرار البلاد حتى استيلاء نابليون الأول على السلطة، فاستطاع الجمع بين الولاء لأهداف الثورة، وضمان الأمن والاستقرار، وكان يؤمن باقتران الأمن والعدالة والحرية معا. ثم راح يحتل البلدان الأوروبية، ويهز العروش والقوى المحافظة.
كيف حدثت هذه الثورة ولماذا؟
إن الآراء والتحليلات متعددة عن أسباب الثورة الفرنسية. ولكن يمكن القول إنها كانت مزيج أسباب متشابكة، وإن قوى الثورة لم تكن متجانسة، ولم تكن لها قيادة موحدة، بل يمكن القول إن الثورة انطلقت في بدايتها تلقائيا، أو شبه تلقائي.
كانت الظروف الثورية ناضجة بسبب السخط المتراكم على هيمنة الكنيسة على الفكر والمجتمع، وعلى مسالك في السلطة، وكذلك السخط على أرستقراطية الأرض، التي كانت تسحق الفلاحين، وتتحدى كل إجراء ملكي يراد اتخاذه لفرض الضرائب عليها لمعالجة الوضع الاقتصادي المتدهور. وفي المدن، كان تململ صغار البورجوازية والعمال المتطلعين لرفع مستواهم المعيشي؛ وأما طبقة البورجوازية الوسطى المستجدة، فكانت تتطلع ليكون لها دور أساسي في مقاليد البلاد، ولذا كانت تدعو إلى الإصلاحات الحكومية الجذرية.
لقد مهد للثورة ظهور فلاسفة ومفكرين كبار، كفولتير وروسو وديدرو ومونتسيكيو، الداعي لفصل السلطات، وكانت آراء هؤلاء العظام، الإصلاحية والتنويرية، والداعية خاصة لحرية الرأي واحترام الرأي الآخر، والمنتقدة لهيمنة الكنيسة، قد استفادت من فكر عدد من كبار المثقفين والفلاسفة الإنكليز، كداعية التسامح لوك، والشاعر ميلتون، بطل حرية النشر والتعبير، وتوماس هوك، وغيرهم. كما أن ثورتي كرومويل الإنكليزية، [ 1645]، وثورة الاستقلال الأميركية بقيادة جورج واشنطن، [1776 – 1783 ]، قد أثرتا في تفكير المثقفين الفرنسيين وساسة البورجوازية، خصوصا وأن فرنسيين اشتركوا في حرب الاستقلال الأميركية بقيادة لافاييت. أما ثورة كرومويل، التي أسقطت الملك وأعلنت الجمهورية، فإنها هي الأخرى ألهمت الفرنسيين، سواء بنزعة كرومويل للحرية والبرلمانية، أو الدعوة للجمهورية، التي لم تقم في العام الأول من الثورة الفرنسية، إذ ظلت الملكية، ولكن مقيدة بالدستور وبالجمعية الوطنية، حتى قطع رأس الملك، وإعلان الجمهورية في فترة 1792- 1793. وقد تعرضت الجمهورية الفرنسية في السنوات والعقود التالية لسلسلة متواصلة من الهزات فيما بعد، وعادت الملكية أكثر من مرة، حتى استقر الحال على تأصل النظام الجمهوري الفرنسي، ولحد اليوم. الفارق مع بريطانيا أن جمهورية كرومويل سقطت نهائيا بسرعة، وعادت الملكية واستقرت، وهي قريبة من الشعب، وهو متمسك بها، ولكنها مقيدة بالدستور، والنظام البرلماني الديمقراطي العريق، وإن أسباب الاختلاف بين التجربتين هي في تباين ظروف المجتمعين وأمزجة الناس وتقاليدهم.
لقد استطاع ساسة البورجوازية الفرنسية فرض قيام الجمعية الوطنية، التي أصدرت في المرحلة الأولى من الثورة، [في 1789 – 1791]، قرارات ومراسيم تلغي امتيازات أرستقراطية الأرض، وصادرت أراضي الكنيسة، ضاربة هيمنة الكنيسة، وفاصلة الدين عن الدولة. وفي الوقت نفسه، صدر الإعلان الشهير عن حقوق الإنسان والمواطن، واتُخِذت الخطوات لتحديث البلاد وسط مقاومة القوى المحافظة وتحركات أجنبية وداخلية معادية أدت إلى سلسلة حروب مع النمسا وبروسيا عام1792.
مرت الثورة بعدة مراحل، كانت الأولى أهمها، وتبعتها مراحل أخرى شهدت قطع رقاب الملك والملكة البريئة ماري أنطوانيت، ومئات آخرين، وإعلان الجمهورية، ثم "حكم الإرهاب"، الذي أقامه اليعاقبة، والذي سرعان ما احتكره روبسبير، الذي راح هو الآخر تحت المقصلة بعد أن أرسل حلفاءه الأقربين لتلك الآلة الجهنمية نفسها. إن "عهد الإرهاب" دام عاما فقط، ولكنه كان عام سفك الدم بغزارة الشلالات، وقد ذهبت الملكة ماري أنطوانيت ضحية سهلة لمن اتهموها بالخيانة، وهي تهمة ثبت بطلانها، ويعود الفرنسيون اليوم للندم على ما حدث لها، وقد استقبل الجمهور بحرارة عام2006 فيلم صوفيا كوبولا عن أنطوانيت، قدمها لنا كامرأة عصرية وطيبة وحنون على أطفالها، ووضعت مجلة "لن بوان" الأسبوعية العنوان التالي على غلافها: "ماري أنطوانيت والندم الفرنسي."
كانت الثورة الفرنسية ثورة بورجوازية من حيث إطلاقها للمبادرات الصناعية والتجارية الخاصة، وقيامها بالتحديث الصناعي والعمراني، ولكنها أيضا أخذت بعدا اجتماعيا، يتمثل في مطالب الفلاحينوالبورجوازية الصغيرة للمدن. والثورة الفرنسية كانت علمانية، ووضعت أسس النظام العلماني الراسخ تدريجيا، وحتى صدور قانون 1905. كما كانت الثورة ليبرالية بمعنى الإيمان بحرية الفرد، واحترام الملكية الخاصة.
واليوم؟ لا يمكن القول إن كل الساسة الفرنسيين يطبقون حقا مبادئ الثورة، وأما اليسار واليمين المتطرف، فيكرهان مجرد كلمة ليبرالية. ويرى البعض إن علمانية فرنسا راح يهددها الأصوليون الإسلاميون، ودعاة نشر البرقع والنقاب على الأرض الفرنسية، وإدخال الحجاب في المدارس العامة، والتحريض على حرية الفكر والنشر، متصرفين في فرنسا، وفي كل دول الغرب كأراضي كفار مستباحة.
يفتخر الفرنسي بالثورة الفرنسية لأنها رسخت المبادئ الثلاثة التي يقوم عليها مجتمع فرنسا العَلماني: المساواة، الإخاء والحرية. ويختصر فكتور هوغو مشاعر الاعتزاز الفرنسي هذه، بالعبارة التالية من روايته الشهيرة "البؤساء": "للعدالة غضبها، سيدي المطران، وغضب العدالة عنصر من عناصر التقدم. كانت الثورة الفرنسية، مهما قيل عنها، أكبر خطوة بشرية إلى الأمام منذ مجيء المسيح. ناقصة، فليكن! لكنها روعة. لقد اظهرت للعيان كل خفايا المجتمع. ولطّفت العقول، ونشرت الهدوء، والتنوير والطمأنينة. وجعلت فيضا من الحضارة يتدفق على الأرض. كانت جيدة. الثورة الفرنسية تتويج البشرية
الإثنين مايو 20, 2013 11:00 am من طرف shatil
» نعي اليم من ادارة منتدي ابناء الزغاوة
السبت أبريل 13, 2013 8:20 pm من طرف hawa todi
» السلام عليكم
الأحد ديسمبر 23, 2012 10:41 pm من طرف ترقو
» سلامات وبركات
الخميس ديسمبر 06, 2012 4:41 pm من طرف الطاهر
» مرحب بالعضو توم
الخميس ديسمبر 06, 2012 4:36 pm من طرف الطاهر
» نعي الفقيد خالد يوسف
السبت أكتوبر 20, 2012 10:43 am من طرف shatil
» عن حياة المجتمع
الجمعة يونيو 15, 2012 11:34 am من طرف fronsoi
» حول أهمية المسرح
الجمعة يونيو 15, 2012 9:53 am من طرف fronsoi
» اعلان هام عن انعقاد اجتماع انتهاء الدورة واختيار مكتب تنفيذي جديد
الخميس مارس 22, 2012 6:35 pm من طرف shatil